بقلم: معاذ عيسى العصفور
يقول تعالى:(كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى..)
يقول محمد جلال الدين القاسمي في تفسيره: أي حقاً إن الإنسان ليتجاوز حده ويستكبر على ربه، أن رأى نفسه استغنت.
لطالما رغِب الناس في معرفة أحوال الأغنياء، كيف يعيشون، وما يأكلون ويشربون، وما هي عاداتهم وأخلاقهم، وما يسعدهم ويحزنهم، وهل هم متكبرون أم متواضعون، وهل البخل والطمع والجشع من سماتهم وصفاتهم وأخلاقهم، أم أن طباعهم مغايرة.
وأنا أقرأ في رواية (السجينة) “لمليكة أوفقير”، وحياة البذخ والترف الذي كانت تعيشه، وكيف هي الحياة في القصور، وما يعتريها من قيودٍ كثيرة، ونعم عديدة، أفراحٌ وأحزان، سعادةٌ وتعاسة، تناقض كبير وخليطٌ فريد، قلّ أن تجد له نظير بغير البيوت الملكية وبيوت الطبقة المخملية.
جعلني ما قرأت أسترجع ما سمعت، وعايشت أيضاً حول هذه الفئة من الناس، وسأحاول بهذا المقال القرب منهم والتحدث عنهم، لعل وعسى أن أطرق جوانب قد تكون مخفية عنك.
حياتهم عادية وروتينية بالنسبة لهم، فما لا يعرفه غيرهم أنهم لا يشعرون بما يملكون، ولا يكترثون بما يكتنزون، فهمومهم وغمومهم والمشكلات التي يعانون منها تساوي أو تتجاوز ما لدى الطبقة الأدنى منهم.
الطبقة المخملية، أفرادها لا يريدون هذه العيشة وهذه الحياة، فالكثير منهم صرح علانية أو بشكل غير مباشر بحسده للفقراء ولراحة البال التي يعيشون فيها، بل إن بعضهم يدخل في حالة من الاكتئاب والانزواء على نفسه، لأسباب كثيرة، أهمها أن علاقتهم مع الآخر تبنى على المصالح الآنية والرغبة بما يمتلكون، فتكون العلاقات قائمة على تبادل المصالح وخالية من المشاعر والأحاسيس الصادقة.
الطبقة المخملية: سريعو الغضب، سريعو الرضا، تفرحُهم كلمة، وتغضبهم حركة، متقلبو المزاج، دائمو الترقب، يتملكهم الخوف، ويغلب عليهم سوء الظن، لديهم طيبة مشوبة بحذر، وبذلٌ مشوبٌ بحرص.
# الطبقة المخملية: هي طبقة اجتماعية تتكون من الأشخاص الأغنياء أصحاب الثراء الفاحش في المجتمع، وسميت بهذا الاسم نسبةً إلى قماش المخمل الذي يرتدونه، وهو نوع من الأقمشة غالية الثمن التي لا يرتديها إلا الأغنياء. (م.ق)
يعاني الأغنياء والطبقة المخملية من أبنائهم كما يعاني غيرهم من الآباء، فطلبات أبنائهم كثيرة، والنفقات التي يأخذونها من آبائهم لا تكفيهم، يقول أحدهم: أن ابنه يغضب عليه ويرتفع صوته أحياناً، عندما أرفض له طلباً، لدرجة أنه قد يتهمني بالبخل أو عدم الإنصاف، مع أني قد أكون أعطيته مبلغاً كبيراً قبل فترة قصيرة.
وأذكر أني التقيت بمجموعة كبيرة من الأثرياء من أحد الدول، من أصحاب الشركات والوكالات، فوجدت طباعهم مختلفة وعاداتهم ليست واحدة، فبعضهم لا يهتم بالأموال التي بين يديه لدرجة أنه يفتح محفظته ويطلب من صاحب المحل أن يأخذ قيمة ما يريد شراءه من غير سؤال عن السعر، وتجد بعضهم حريصاً جداً لدرجة أنه يسأل عن الأسعار ويبدي انزعاجه من ارتفاع بعض المعروضات.
الأغنياء يلتف حولهم المتكسبون والمتزلفون والمداهنون والمنافقون، يحيطونهم بسياج وطوق يبعدهم عن الناس، ويمنعهم من الاقتراب منهم، فيكونون بمعزل عن المجتمع وهمومه، لذلك لما قيل لماري أنطوانيت ملكة فرنسا أن الشعب الفرنسي لا يجد الخبز قالت المقولة الشهيرة “إذا لم يجدوا الخبر، فليأكلوا البسكويت”.
مشاكل الأغنياء من الصعوبة بمكان حيث يصعبُ حلها، فمن يملك المال ولا يستطيع من خلاله أن يحُل مشاكله، والتخلص من الصعوبات التي تواجهه، فكيف السبيل للنجاة. هذه حقيقة أكثر رواد المصحات النفسية، ومن يطلب العلاج النفسي هم أصحاب الطبقة المخملية، فالاكتئاب يصيبهم، والوحدة تلازمهم، والشعور بالضيق لا يفارقهم.
والمال كما هو معروف سلاحٌ ذو حدين إذا أنفقته في الخير وفي خدمة الناس، عاد لك بالخير والرفعة بين الناس، وإن أسأت استخدامه كان عليك وبالٌ في الدنيا وخزيٌ في الآخرة.