لعل العالم يعيش فوضى على مستويات عديدة، تبدأ بالأفكار، ونرى الكثير من هذه الفوضى الفكرية تنتشر بسرعة في وسائل التواصل، لكن هل هذه الفوضى الفكرية التي نعيشها اليوم مفيدة لمستقبلنا؟
وكيف نتعاطى اليوم مع هذه الأفكار الفوضوية التي تزاحمت في سمائنا من كل ناعق دون تسلسل منطقي أو ترتيب فكري، فخرجت فوضى تتوالد في العقول.
كذلك تلك الفوضى التي يعيشها الإنسان في المعايير الأخلاقية بين منفعة مؤقتة ومثل أخلاقية وغاية تبرر الوسيلة، فبات في فوضى ضربت مكمن الاستقرار النفسي والضمير الإنساني الفطري حتى تحول الإنسان إلى مخلوق هجين بين مادة وروح وآلة حادة قاطعة لا مشاعر فيها ولا اعتبارات.
لكن هل هذه الفوضى مفتعلة أم هي منظمة، ومعد لها ومسوق ما تحمله؟ من دون دعوة المؤامرة على البشرية «غير المنطقية» أرى أن هذه الفوضى منظمة بصورة طبيعية وفق تسلسل زمني عاشته البشرية حتى وصلت لأعظم ما يمكن ظاهرا وأسوأ ما يكون باطنا، فتنظمت هذه الفوضى تنظيما جعلها تدب دبيب الخمر في عقول البعض الذي يروج لها بدعوات مختلفة وتحت مسميات متعددة لا حق فيها إلا أنها دعوات، لكن عواقبها وخيمة على البشرية، فهي ليست فوضى النار التي رفعت البشرية في هرم القوة الطبيعية، وليست ثورة السدود والحياة الزراعية الأولى التي نقلت الإنسان إلى عوالم جديدة.
إن الفوضى لا تعالج إلا بتنظيم تلك الفوضى ووضعها على سطح مكتب في زواياه تاريخ البشر حتى نفهم هذا التقدم الكبير والقفزات للمجهول في العقل البشري، لنعيد للبشرية ما سلب منها من قيم ومثل، ونقف على السبب الحقيقي وراء تلك الشعارات الممزوجة بالجنون واللامنطق.
كانت الفوضى نهاية العصور الوسطى الأوروبية ونقلة إلى عصور النهضة والتنوير، والفوضى كانت مهد السلام بعد الحربين العالميتين، لكن فوضانا اليوم مختلفة تجرنا إلى فوضى أكبر، وإلى سحق لكينونة الإنسان، فهي فوضى مادية مجردة، بعكس فوضى التقدم الأوروبية وفوضى السلام العالمية السابقة.