المال ليس كل شيء، ولكن من خلاله تستطيع فعل كل شيء!؟
مقولة تتردد على أسماعنا كثيراً، فمن مؤمنٍ بها وكافر. ومن آخذٍ بها وتارك. ومن مستكثرٍ منها ومقل.
يتحدث من لا يملك فيقول :(المال ليس كل شيء، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يشعر به سوى المرضى، وراحة البال لا تشترى بالمال، كما أن السعادة تأتي من الداخل، فكم من غني تعيس، وكم من صاحب مال شقي في ماله).
ويتحدث الغني فيقول :(صحيح، فأنا أملك المال الكثير ولا أشعر بالسعادة، وأعرف قيمة الصحة وأنها تعادل بل تتجاوز قيمة المال، وأنا دائم السعي خلف راحة البال، وأُقر بأن السعادة تأتي من الداخل، وأن المال قد يكون سبباً للشقاء).
فيأتي طرف ثالث ينظر إليهم فلا يُعجبه كلام الأول ولا يرضيه كلام الثاني.
ينظر إلى الأول فيقول :(بإن الواجد غير الفاقد، ومن لا يملك يختلف بالكلية عن من يملك، فأنت يا من لا تملك المال كلامك تنظير، وحديثك يبقى ناقصاً، لأن ما قلته مواساة للنفس وترويح عن الروح، من إنسان غير مؤهل للحديث عن قيمة المال، لأنه لم يملكه من الأساس).
ثم ينظر إلى الغني بنظرة فيها نوع من الإستنكار، فيقول :(إنك تتحدث بلا مصداقية و تتكلم بلا موضوعية، لأنك تتحدث من برجٍ عاجي، فالمال بين يديك وما تريده يأتي إليك، فحكمك غير صحيح وتنظيرك باطل لا قيمة له، لأنك لم تذق مرارة الحرمان، ولم تعش بدون المال، حتى تدّعي أنك تعرف أن المال ليس كلُ شيء).
نظر إليهم من بعيد شخص قد شاب عارضاه من الكبر، واحدودب ظهره من صروف الدهر، فطلب منهم التريث ومراجعة أقوالهم، وطلب من الأول التحدث بعقلانية، وطلب من الثاني التحدث بـ “صراحة”.
قال من لا يملك بعد أن أخذ نفساً عميقاً ونظر إلى الأعلى:(نعم.. المال حلم ليلٍ لم يتحقق، فلطالما وددت امتلاكه، ولطالما سعيت لنيله، فكم من حاجة لم تنقضِ، ورغبة لم تتم، وسعي لم يكتمل بسبب عدم وجوده، المال احتياجنا له يصِل أحياناً لحاجتنا للماء والهواء، فبالماء تستقيم أجسامنا وبالهواء تستقيم أرواحنا فكذلك بالمال تقضى حاجاتنا).
قال الغني بعد أن شعُر بالإطمئنان لما سيقوله :(المال زينة وخزينة، رائحته زكية، وملمسه ناعم، إمتلاكه يعطيك قوة وشجاعة ومقدرة على الاعتداد بالرأي، ويُكسبك الاحترام، ويقدمك بالمجالس، ويُسمع لكلامك، ويُؤخذ بقولك، فالمال نفعه متعدٍ، وفائدته كبيرة).
نظر الرجل الطاعن بالسن إلى الطرف الثالث وطلب منه أن يحكم على كلامهم بعد أن اتفق الطرفان مرة أخرى على أن المال هو عصب الحياة والذي لا تستقيم بدونه الدنيا.
سكت الثالث لبرهة من الزمن وأصبح يقلب نظره في الأرض، لأن ما كان يود قوله قيل، وما كان يود الحديث عنه سمعه، حاول الخروج من سطوة المال وبريقه، وتحدث بإنصاف فقال :(المال جميل نعم، لكن ليس بكل أحواله. ومحاولة الاستزادة منه مطلب، ولكنها محفوفةٌ بالمخاطر. والسعي لكسبه، متعب ومجهد للبدن وللذهن. والاكتفاء منه مستحيل، للحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: “لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان..”. لذلك المال سلاح ذو حدين وسيف ذو نصلين، كلاهما قاتل ويودي بصاحبه إذا لم يحسن إدارته).
حِوار ثلاثي نُسجت خيوطه بمخيلتي، وأعلم أنه يدور بمخيلتك. عن الإتجاه الذي قد يأخذك به خيالك ويسرح به فكرك، إن أنت تبنيت فكرة محددة، وآمنت برأي معين. ستجد الأفكار تتدفق، وسترى القناعات تتشكل، بطريقة فيها الكثير من الـ “منطقية” و الا “منطقية”.