نهاية الود بين ترامب وماسك..حرب بين “الغرور” و”العقلانية”

بقلم: باسل يوسف

1٬490

في مشهد غير مألوف من الخلافات السياسية-الاقتصادية، شهدت الساحة الأمريكية تصدعًا كبيرًا في العلاقة التي كانت تبدو، حتى وقت قريب، ودية ومبنية على المصالح المشتركة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركات “تسلا” و”سبيس إكس”. بعد سنوات من التعاون والاتفاق الضمني، يبدو أن الود قد انتهى بين الرجلين، وتحول إلى صراع علني يتخلله تبادل اتهامات وتهديدات، تتجاوز تأثيراته حدود السياسة إلى عالم التكنولوجيا والاقتصاد.

في السنوات السابقة وخلال ولاية ترامب الأولى رئاسة الولايات المتحدة ، لم يُخفِ ماسك تحفظاته على بعض سياسات البيض الأبيض، خاصة المتعلقة بالبيئة والهجرة، لكنه ظل حذراً في انتقاداته، ربما حفاظاً على العلاقات التي تفيد مصالح شركاته. ففي عهد ترامب، حصلت “سبيس إكس” على عقود ضخمة من وكالة “ناسا”، كما استفادت “تسلا” من تخفيف القيود التنظيمية على الصناعات.

كما تشير تقارير إلى أن ماسك قدّم دعماً غير مباشر لحملة ترامب الانتخابية في 2020، عبر تبرعات لبعض اللجان السياسية المحافظة، وتوفير تسهيلات لوجستية تخص البيانات أو المنصات الرقمية، وإن لم يتم الإعلان عنها رسمياً. ومع دخول الولايات المتحدة في أجواء انتخابات 2024، ظهرت بوادر تقارب جديد بين الطرفين، سرعان ما تحوّلت إلى مواجهة.

وتشير وسائل إعلام أمريكية إلى أن الخلاف انفجر وظهر إلى العلن بين ماسك وترامب في أوائل يونيو 2025، بعد اعلان الأخير لمشروع قانون الضرائب والإنفاق المعروف بإسم «الكبير والجميل»، وهو مشروع قانون كبير للإنفاق والضرائب طرحه ترامب وحزبه الجمهوري، والذي يشمل إنفاقاً ضخماً مُقدّراً بتريليونات الدولارات، وتمديد التخفيضات الضريبية، بالإضافة إلى تقليص تغطية برنامج «ميديك إيد» وبرامج المساعدات الغذائية، كما يتضمن المشروع تخصيص 50 مليار دولار لاستئناف بناء جدار ترامب الحدودي ونحو 150 مليار دولار للإنفاق الدفاعي. وهو مادفع ماسك بعدم اخفاء إمتعاضه من المشروع واصفاً ياه بأنه “فظيع جداً ” لأنه سيزيد العجز الوطني ويقلص دعم السيارات الكهربائية.

ترامب، المعروف بحساسيته تجاه الولاء، رأى في موقف ماسك خيانة علنية، ورد بتصريحات نارية خلال أحد تجمعاته الانتخابية، قال فيها: “إيلون ماسك فقد عقله، ولا يصلح للقيادة السياسية أو حتى الأخلاقية”. وأضاف: “إنه لا يعرف معنى الولاء، هو مجرد رجل أعمال يسعى لمصالحه، ولن أسمح له باللعب على الحبلين”.

الرد لم يتأخر من ماسك، الذي هاجم ترامب بشدة عبر منصة “إكس” ، قائلًا: “دونالد ترامب لم يعد صالحًا لقيادة أمة تكنولوجية. آن الأوان لجيل جديد من القادة”. وألمح في منشور آخر إلى أنه سيدعم تحقيقات فيدرالية حول علاقة ترامب ببعض رجال الأعمال، في خطوة فُسّرت على أنها إعلان حرب.

وأكثر ما أثار الجدل كان تصريح ماسك الأخير الذي قال فيه إن “الولايات المتحدة بحاجة إلى قيادة مستقرة ومبنية على العلم والعقل، وليس على الغرور وردود الأفعال”. وأكد في مقابلة صحفية أنه يدعم أي جهد قانوني أو سياسي يسعى لمنع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض مرة ثالثة ، مضيفًا: “إذا ترشح ترامب، سأفعل كل ما بوسعي لهزيمته، بما في ذلك دعم مرشح مستقل أو تشكيل حزب جديد”.

ومن بين المستهدفين في هذا الصراع، المدير الحالي لوكالة “ناسا”، الذي تربطه علاقة صداقة قديمة بماسك، ويُتهم الآن بالانحياز لشركة “سبيس إكس” في منح العقود. دعت أصوات داخل الحزب الجمهوري إلى التحقيق معه، وربما إقالته، ما يعكس حجم التصعيد بين المعسكرين، كما أدى هذا الصراع بين الرجلين إلى آثار اقتصادية فعلية، حيث تراجعت أسهم “تسلا” بعد تهديدات ترامب، وتعرّضت لحملات تشويه عبر منصات إعلامية محسوبة على التيار المحافظ.

والسؤال الأكبر الآن هو: هل سيؤسس ماسك حزبًا سياسيًا فعليًا؟ بعض المقربين منه يؤكدون أن العمل جارٍ على وضع اللبنات الأولى لحركة سياسية تحت اسم “المستقبل الأمريكي”، تستهدف فئة الشباب ورواد التكنولوجيا والمستقلين الذين يشعرون بالاغتراب عن الحزبين التقليديين. ومع موارد مالية ضخمة وقاعدة جماهيرية واسعة على الإنترنت، قد يتمكن ماسك من لعب دور مؤثر في الانتخابات القادمة، سواء بشكل مباشر أو عبر تحالفات ذكية.

ويرى محللون أن الصدام بين ترامب وماسك يتجاوز مجرد اختلافات شخصية أو منافسات مصالح. هو في جوهره صراع بين نموذجين: الأول يرتكز على الكاريزما والسيطرة السياسية، والثاني على التكنولوجيا والرؤية المستقبلية. وبينما يرى البعض أن هذه المعركة قد تفتح الباب لعصر جديد من السياسة في أمريكا، يرى آخرون أنها مجرد فصل جديد من فوضى النخبة.

وفي كل الأحوال، من المؤكد أن ما يحدث الآن سيكون له تأثير طويل الأمد، ليس فقط على مستقبل ترامب أو ماسك، بل على الخريطة السياسية الأمريكية برمتها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار