لا تكاد توجد منطقة في العالم عانت من خطر وتداعيات خطابات التطرف والإقصاء والتهميش ومحاولة إلغاء الطرف الآخر، مثلما هو الحال مع منطقة الشرق الأوسط.
فهذه المنطقة دفعت أثماناً باهظة من أمنها واستقرارها وتنميتها نتيجة هيمنة هذه الخطابات التي تتبناها التيارات الإسلاموية والجماعات الطائفية والقوى اليمينية المتطرفة، التي كثيراً ما تتحول إلى سياسات وممارسات فعلية تفضي إلى حروب وصراعات وأعمال إرهابية وعدائية تأكل الأخضر واليابس.
وخلال الأيام القليلة الماضية شاهدنا تصاعداً ملحوظاً في الخطابات والإجراءات شديدة التطرف التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية والعناصر اليمينية المتطرفة المحسوبة عليها، فقبل يومين خرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بتصريحاته المثيرة للجدل حول إسرائيل الكبرى.
مؤكداً أنه متمسك جداً برؤية إسرائيل الكبرى، وهو مصطلح يشير إلى توسيع حدود إسرائيل لتشمل كل الأراضي الفلسطينية وأجزاء من دول أخرى، مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر، فيما يعبر عنه بعض الإسرائيليين بعبارة حدود إسرائيل من النيل إلى الفرات.
وقد قوبلت هذه التصريحات التي تعكس نوايا توسعية وعدوانية لا يمكن القبول بها أو التسامح معها، على حد تعبير بيان جامعة الدول العربية، بموجة انتقادات عربية ودولية واسعة تحذر من خطورة هذه التوجهات على الأمن الهش الذي تعيشه المنطقة.
ووصفها معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، بأنها تمثل خطاباً متطرفاً وعنجهياً، طالما دفعت المنطقة وشعوبها ثمنه.
وأمس، أعلن وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الموافقة على بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، ضمن خطة من شأنها تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين، وهي الخطة التي وصفها مكتب سموتريتش بأنها ستدفن بشكل دائم فكرة الدولة الفلسطينية.
وتمثل هذه الخطة رفض إسرائيل العملي كل التحركات التي تقودها دول أوروبية عدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يشكل تحدياً واضحاً من هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة للمجتمع الدولي بأكمله.
وقبل هذا وذاك، كان قرار الحكومة الإسرائيلية المصغرة باحتلال قطاع غزة بالكامل، بغض النظر عن الأخطار على الرهائن، وعلى الجنود الإسرائيليين، وعلى المفاوضات، وعلى علاقات إسرائيل الدولية، وعلى شعب غزة الذي يتضور جوعاً نتيجة سياسة الحصار الخانق التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة.
في كل هذه القرارات والتصريحات كانت ردود الفعل العربية والدولية منددة بقوة، لكن الحكومة اليمينية الإسرائيلية لا تلقي بالاً لأحد، وتضرب بكل هذه الانتقادات والقوانين الدولية عرض الحائط، مدفوعة في ذلك بمحركين أساسيين، الأول هو الضوء الأخضر الذي تحصل عليه من إدارة الرئيس دونالد ترامب.
والثاني نشوة المكاسب العسكرية والاستراتيجية التي حققتها ضد إيران خلال حرب الـ12 يوماً، وضد أذرع إيران قبل ذلك، والتي جعلت نتانياهو يتباهى أنه يمكنه فعلاً تغيير الشرق الأوسط وفق رؤيته.
المنطقة تحتاج إلى إعلاء صوت الحكمة، والتوقف عن هذه الخطابات التحريضية التي تحض على الكراهية وتقود إلى مزيد من التوتر والصراعات في منطقة تبدو في أمس الحاجة للاستقرار من أجل التفرغ لبدء مسيرة التنمية لشعوبها، ويبرز هنا بشكل خاص أهمية الدور الأمريكي، باعتبار أن واشنطن هي الطرف الأكثر قدرة على لجم مثل هذه الخطابات والسياسات الإسرائيلية، من أجل تهيئة البيئة لعودة مسار السلام والتنمية المشتركة.