حرب «التهجير» في غزة
يونس السيد
كشفت تصريحات وزراء اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة، عن حقيقة الأهداف الإسرائيلية المضمرة من وراء الحرب الدائرة في القطاع، والتي تتجاوز الأهداف المعلنة المتمثلة في القضاء على حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية واستعادة المحتجزين الإسرائيليين.
تهجير سكان القطاع كان بحد ذاته حرباً غير معلنة، منذ البداية، على الفلسطينيين، فإلى جانب غريزة الانتقام، عمل الجيش الإسرائيلي، منذ اللحظات الأولى لتلك الحرب، على دفع سكان شمال القطاع بالقوة نحو الجنوب، ثم دفعهم إلى صحراء سيناء، عبر ارتكاب المجازر الجماعية، وفتح ما سمي ب«الممرات الآمنة»، والتي لم تكن آمنة على الإطلاق، حيث كان يتم ملاحقة النازحين وقتلهم. هذا الهدف وُوجِه برفض عربي قاطع، خصوصاً من جانب مصر والأردن، انطلاقاً من رفض الجانبين لتصفية القضية الفلسطينية، وتغيير الواقع الديمغرافي في المنطقة.
لكن أيضاً كان الفضل الأول والأخير في إفشال هذه الخطط هو صمود الشعب الفلسطيني على أرضه رغم آلة القتل والتدمير وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين والمجازر التي ارتكبت ولا تزال بحقهم. وبالتالي سرعان ما انكفأ هذا الحديث مؤقتاً، لأنه ظل جزءاً من العقيدة الإسرائيلية، بشكل عام، وعقيدة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي كان يتحين الفرص للانقضاض مجدداً.
ومع عودة الحديث عن «اليوم التالي» للحرب والخطط التي تُرسَم لمستقبل قطاع غزة، والتباينات التي ظهرت بين إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الشأن، ارتفعت عقيرة اليمين الإسرائيلي المتطرف، ممثلاً في وزرائه بالحكومة، أمثال سموتريتش وبن غفير، للمطالبة ليس فقط بتهجير الفلسطينيين، ولكن بإعادة الاستيطان في قطاع غزة، تحت عناوين مخادعة، منها «التهجير الطوعي» و«الحل الإنساني» وما إلى ذلك، إذ لا يوجد سوى تهجير قسري دأبت عليه إسرائيل حتى قبل إنشائها، واستمر بعد ذلك من خلال عمليات الترانسفير الجماعي ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، وهي كلها «جرائم حرب» في القانون الدولي والإنساني.
بعض هؤلاء الوزراء كان أكثر وضوحاً، مثل وزير التراث، وصاحب الدعوة لقصف غزة بالنووي، حين دعا إلى إيجاد طرق أكثر من الموت لإيلام الفلسطينيين، قاصداً الاستيلاء على أرضهم على سبيل الانتقام.
صحيح أن هناك رفضاً عربياً ودولياً لتهجير الفلسطينيين، لكن الأمر لا يزال بيد الفلسطينيين أنفسهم، إذ إن تشبثهم بالبقاء على أرضهم، خصوصاً وأن المعركة لا تزال في الميدان، هو ما سيُفشل المخططات الإسرائيلية، ويمنع قيام نكبة جديدة للفلسطينيين.