في قاعة مزدحمة بإطلالة ساحرة على معالم العاصمة البريطانية لندن، اجتمع قادة الإعلام والتكنولوجيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى جانب صناع القرار وخبراء من Google وYouTube، دارت النقاشات في أكاديمية Google للمؤسسات التنظيمية حول مستقبل الإعلام، وكيفية صياغة تشريعات وطنية تحفز نمو صناعة الإعلام، وتتواءم مع سياسة المنصات الرقمية العالمية، بهدف خلق بيئة إعلامية مبتكرة تتماشى مع التطورات السريعة.
أجمع الحضور على أن تنظيم الإعلام لم يعد شأنًا محليًا فحسب، بل قضية عالمية، عابرة للحدود، تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والشركات، فالمحتوى الذي يُنتج في قارة ما، يُستهلك في قارات أخرى مع حرية تدفق المعلومات عبر المنصات الرقمية. معادلة جديدة فرضت نفسها على قطاع الإعلام، تتطلب أطرًا تنظيمية مرنة تواكب هذا الواقع المتسارع، فلم يعد بإمكان أي دولة العمل بمعزل عن الأخرى في تنظيم الإعلام. فالتفاعل بين القوانين الإعلامية الوطنية وسياسات المنصات الرقمية أصبح ضرورة حتمية، هذا التفاعل له القدرة على خلق أطر تنظيمية قوية تحمي المجتمعات، وتحترم المبدعين، وتسهم في حوكمة قطاع الإعلام بشكل أفضل.
تُصَممُ القوانين الإعلامية الوطنية لحماية مصالح الدول، وصون هويتها الوطنية، واحترام قيمها الثقافية والاجتماعية، ومكافحة الأخبار الزائفة والمضللة ومحاربة الإشاعات.
في المقابل، تعمل المنصات الرقمية على تطبيق سياسات تهدف إلى تحقيق التوازن بين مشاركة المستخدمين، والحفاظ على مصالحها التجارية، والامتثال للقوانين.. تشمل هذه السياسات متابعة المحتوى باستخدام الخوارزميات لإزالة المحتوى الضار والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية، كما تحدد المنصات القواعد التي يجب على المستخدمين اتباعها للحفاظ على بيئة رقمية آمنة.
على الرغم من قوة ومرونة القوانين الإعلامية المحلية وسياسة المنصات الرقمية، لكنها لا تخلو في بعض الأحيان من فجوات وتناقصات، فقد لا تتماشى القوانين الوطنية دائماً مع التطور السريع للمنصات الرقمية، وقد لا تتوافق سياسات المنصات تماماً مع الخصوصية الثقافية لكل دولة.
إن هذا الواقع الجديد يتطلب تكاتفاً لوضع معايير مشتركة تحمي المجتمع، وتمنع انتشار المحتوى المخالف خصوصاً الموجه نحو الأطفال والناشئة. فالحكومات والشركات والمنصات بدأت تفكر بطريقة جديدة واستراتيجيات مختلفة من خلال تشريعات تضمن ضبط المحتوى، وتتكيف مع ثورة تكنولوجيا الإعلام، وتأخذ في الاعتبار التحديات الجديدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق.
في دولة الإمارات، اتبعنا نهجاً مبتكراً، وطورنا نموذجاً جديداً في تنظيم قطاع الإعلام، وتصميم سياساته، وحوكمة أطره. برؤية وتوجيهات قيادتنا الرشيدة، تعاونا مع أكثر من 30 شريكاً حكومياً على المستويين الاتحادي والمحلي. ومع شركات ومؤسسات وطنية وعالمية، من الشركات العملاقة مروراً بالاستوديوهات الإعلامية الناشئة وصناع المحتوى، والمخرجين والناشرين.
وأجرينا استبياناً وطنياً بمشاركة 650 من كبار مسؤولي الشركات وطلاب الإعلام في جامعات الدولة. تعرفنا على تطلعاتهم وتحدياتهم وآمالهم لمستقبل قطاع الإعلام. جميع هذه المدخلات شكلت الأساس لقانون تنظيم الإعلام والذي صدر العام الماضي، ليكون ثاني قانون ينظم قطاع الإعلام في الدولة منذ تأسيسها بعد قانون المطبوعات والنشر لسنة 1980.. تجربة جديدة ومقاربة مختلفة قدمتها دولة الامارات في قطاع الاعلام، بتشريع عصري يتم صياغته بمشاركة صنّاع الإعلام.
بفضل منظومتنا التشريعية المتطورة والتعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص، نجحت الإمارات في تحقيق توازن فريد بين دفع عجلة نمو صناعة الإعلام وحماية القيم الثقافية والمجتمعية.
نؤمن بأن التنظيم أداة للتمكين وخلق الفرص، فهو يحفز الإبداع ويسهم في إطلاق العنان لإبداعات المواهب. فأينما وجد تنظيم فعال وسياسات مرنة، ازدهر القطاع وتطور، واستقطب لاعبين جدداً مع الالتزام بأعلى معايير الجودة والامتثال للسياسات الإعلامية المحلية.
ميثا ماجد السويدي
*المدير التنفيذي لقطاع الاستراتيجية والسياسات الإعلامية- مجلس الإمارات للإعلام