ريادة الأعمال في الكويت: من ثقافة الوظيفة إلى عقلية التأسيس

د. حنان يوسف الشراح

1٬058

لطالما ارتبطت الثقافة المجتمعية في الكويت بالبحث عن الوظيفة الحكومية كخيار أول للشباب، باعتبارها الضمان الأسرع للاستقرار المالي والاجتماعي. هذه العقلية ترسّخت لعقود طويلة، لكنها اليوم أصبحت عائقًا أمام طموح جيل جديد من الكويتيين الذين يدركون أن المستقبل لا يُبنى بالوظائف التقليدية، بل بالمشاريع الريادية القادرة على خلق قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع.

حين نتأمل واقع ريادة الأعمال في الكويت، نجد أن هناك طاقات شبابية مبدعة وأفكارًا مبتكرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تستمر معظم المشاريع الناشئة؟.

الواقع أن التحديات متعددة، تبدأ من منظومة القوانين البطيئة التي لا تزال مصممة لعصر الشركات التقليدية، مرورًا بصعوبة الحصول على تمويل مستدام، وصولًا إلى نقص المهارات الإدارية والتقنية لدى كثير من الشباب، ما يجعل مشاريعهم قصيرة العمر.

التجربة العالمية تؤكد أن دعم ريادة الأعمال لا يقتصر على تشجيع أفراد يطلقون مشاريع صغيرة متفرقة، بل يتطلب بناء منظومة متكاملة. المنظومة الناجحة تعني وجود تشريعات مرنة، حاضنات أعمال متخصصة، مسرّعات مرتبطة بالجامعات، ومؤسسات تمويلية تفهم طبيعة المشاريع الناشئة. هنا يبرز دور الدولة ليس كراعٍ لمشاريع فردية فقط، بل كمهندس للبنية التحتية التي تتيح لرواد الأعمال النمو محليًا والتوسع إقليميًا.

من واقع خبرتي كأستاذة أكاديمية في ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي، وأيضًا كمؤسسة لعدة شركات ناشئة في الكويت، أرى أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في غياب الدعم، بل في غياب العقلية الريادية نفسها. الريادة ليست مجرد الحصول على تمويل أو تصريح تجاري، بل هي ثقافة تقوم على الشجاعة في المخاطرة، والقدرة على الابتكار، واستيعاب الفشل كجزء من الرحلة.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى مبادرة جريئة: إنشاء منصة حكومية موحّدة تجمع تحت مظلتها جميع خدمات الدعم الريادي، بدءًا من الفكرة، مرورًا بالتدريب، وصولًا إلى التصدير للأسواق العالمية. منصة لا تشتت الشاب بين عشرات الجهات، بل تمنحه طريقًا واضحًا مدعومًا بالبيانات، الاستشارات، التمويل، وربما حتى الذكاء الاصطناعي لتوجيهه إلى أفضل المسارات وفقًا لطبيعة مشروعه. مثل هذه المبادرة ستوفر جهدًا هائلًا وتحوّل ريادة الأعمال من مبادرات فردية إلى رافعة اقتصادية متكاملة.

رأيي الشخصي أن الكويت لن تتحول إلى دولة منتجة بمجرد ضخ الأموال في مشاريع صغيرة، بل بالعمل على تغيير العقلية السائدة من عقلية الوظيفة إلى عقلية التأسيس والإبداع. الاستثمار في الإنسان الريادي من خلال تعليمه، تدريبه، وتمكينه من أدوات الثورة الصناعية الرابعة، هو الذي سيصنع الفارق. أما التمويل وحده، فسيظل ناقصًا ما لم يُرافقه وعي وفكر ريادي يؤمن بأن بناء المستقبل يبدأ من فكرة صغيرة، لكنها تحمل في داخلها بذرة التغيير الكبير.

إن التحول من مجتمع يعتمد على التوظيف إلى مجتمع ينتج شركات ريادية عالمية، ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة لبقاء الكويت لاعبًا مؤثرًا في اقتصاد الغد.

د. حنان يوسف الشراح
استاذ أكاديمي متخصص في ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار