الكويت في عصر الثورة الصناعية الرابعة: هل نحن مستعدون؟

بقلم: د. حنان يوسف الشراح

1٬968

يشهد العالم اليوم واحدة من أعظم التحولات في تاريخه الحديث: الثورة الصناعية الرابعة.
إنها ثورة لا تقتصر على إدخال أدوات تقنية جديدة، بل تعيد صياغة علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وتعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي، وأنماط العمل، بل وحتى طريقة تفكيرنا وتعليمنا.

الثورة الصناعية الرابعة: أكثر من مجرد تقنية

تقوم هذه الثورة على تكامل أربع قوى رئيسية:

الذكاء الاصطناعي: من تحليل البيانات الضخمة إلى اتخاذ القرارات الذكية.

إنترنت الأشياء: حيث تتواصل الأجهزة فيما بينها وتعمل بشكل ذاتي لخدمة الإنسان.

الروبوتات: التي لم تعد محصورة في خطوط الإنتاج بل دخلت التعليم والصحة والخدمات.

البلوك تشين: الذي يعد بإحداث نقلة في الثقة والمعاملات، من العقود الذكية إلى العملات الرقمية.

هذه ليست تقنيات معزولة، بل شبكة متداخلة تُغيّر حياتنا بطرق لم نعهدها من قبل.

الكويت ما بين الطموح والتحدي

الكويت تمتلك إمكانات بشرية شابة وموارد مالية تؤهلها لتكون جزءًا من هذه الثورة. لكن السؤال الجوهري: هل نتحرك بالسرعة المطلوبة؟
إذا قارنا أنفسنا بجيراننا، نجد أن الإمارات والسعودية سبقتا في إطلاق استراتيجيات وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. أما الكويت، فما زالت في طور المبادرات الفردية والمتفرقة.
ومع ذلك، تبقى الفرصة متاحة أمامنا لنلتحق بالركب، بل ونصنع لنفسنا موقعًا قياديًا، إذا أحسنا الاستثمار في التعليم والبحث العلمي والابتكار.

التعليم الجسر نحو المستقبل

لا يمكن لأي دولة أن تدخل الثورة الرابعة من دون تعليم حديث يواكب متطلباتها.
المطلوب اليوم:

تحديث المناهج الجامعية لتشمل علوم البيانات، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي.

تنمية مهارات التفكير النقدي، الابتكار، والعمل الجماعي.

شراكات أكاديمية مع جامعات ومراكز أبحاث عالمية لنقل المعرفة وصناعة الكفاءات.

إن الاستثمار في التعليم ليس خيارًا جانبيًا، بل ركيزة أساسية للبقاء في المنافسة العالمية.

من الفكرة إلى الصناعة: كيف نصنع اقتصادًا جديدًا؟

الكويت غنية بالمواهب الشابة القادرة على الإبداع، لكن التحدي الحقيقي هو تحويل الإبداع إلى صناعة.
هذا يتطلب:

ربط الجامعات بالقطاع الخاص في مشاريع مشتركة.

إنشاء حاضنات ومسرّعات أعمال تساعد على تحويل الأفكار إلى شركات ناشئة.

تبني الحكومة دور “المستثمر الأول” أو “الزبون الأول” لحلول محلية مبتكرة.

بهذا فقط يمكن أن ننتقل من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد يقوم على المعرفة والتكنولوجيا.

الكويت في قلب النقاش العالمي

من خلال مشاركتي قبل أيام في مؤتمر BAM في جامعة Kent البريطانية أكدت لي أن السباق العالمي اليوم هو سباق عقول وأفكار.
النقاشات ركزت على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال أن يغيرا شكل الاقتصاديات الوطنية. خرجت من المؤتمر بقناعة راسخة: الكويت أمامها فرصة ذهبية، لكنها تحتاج إلى قرارات جريئة تجعل من الاستثمار في العقول خيارًا استراتيجيًا لا يحتمل التأجيل.

رؤيتي: الاستثمار في العقول هو رهان البقاء

في عالم تتسارع فيه الابتكارات، التكنولوجيا قد نشتريها، لكن العقول نصنعها بأنفسنا. إن الاستثمار في التعليم والبحث العلمي ليس ترفًا، بل هو الرهان الوحيد لضمان موقعنا في المستقبل. الكويت قادرة أن تكون مركزًا إقليميًا للابتكار وريادة الأعمال، إذا وضعت شبابها في قلب الاستراتيجية، ومنحتهم الأدوات والبيئة التي تجعلهم منافسين على المستوى العالمي.

الثورة الصناعية الرابعة ليست بعيدة ، إنها هنا بالفعل. الكويت أمام خيارين: إما أن تكون مستهلكًا للتقنيات يصعب عليه اللحاق بركب العالم، أو أن تتحول إلى صانع للتكنولوجيا والابتكار يشارك في صياغة المستقبل.

فالقرار يبدأ اليوم، من المدرسة والجامعة والمختبر وحاضنة الأعمال، ليصل غدًا إلى الاقتصاد الوطني الذي يستمد قوته من عقول أبنائه لا من موارد أرضه فقط.

إذا لم نراهن على التعليم والبحث العلمي، فلن يكون لنا مكان في خريطة العالم الجديدة.

د. حنان يوسف الشراح
استاذ أكاديمي متخصص في ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار