أي مستقبل ينتظر سيارات الهيدروجين؟

217

يتجه العالم نحو التخلص من سيارات الاحتراق الداخلي، عبر استخدام بدائل من الوقود النظيف والصديق للبيئة؛ بهدف خفض الانبعاثات، وهو ما يخلق منافسة قوية بين البطاريات وخلايا وقود الهيدروجين.

في السنوات الخمس الماضية، وضع أكثر من 30 بلداً استراتيجيات وطنية للهيدروجين، وكانت أهداف اتفاق باريس المتعلقة بالمناخ محركاً رئيساً في هذا الصدد، غير أن الحرب في أوكرانيا والارتفاع الحاد في أسعار الغاز قادا بدورهما تحولاً نسبياً عن هذا المسار.

يعد الهيدروجين خياراً صديقاً للبيئة ومصدراً للطاقة؛ لأن إنتاجه من مصادر طاقة جديدة ومُتجددة، ويمكن نقله أو تخزينه، كما أنه بديل فعال عن الوقود الأحفوري، والذي ينتج من خلال التحليل الكهربائي للمياه لإنتاج الهيدروجين، ولذا يعد وقوداً نظيفاً ومستداماً.

الهيدروجين في عالم السيارات

ووفق تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن أقوى الادعاءات حول دور الهيدروجين في عالم السيارات تأتي من الرؤساء التنفيذيين في قلب الصناعة.

وتعد شركة تويوتا اليابانية من أكثر المؤيدين للهيدروجين، والتي توقع رئيسها أكيو تويودا الشهر الماضي، أن حصة السيارات التي تعمل بالبطاريات ستصل إلى ذروتها عند 30 بالمئة، على أن يشكل الهيدروجين ومحركات الاحتراق الداخلي الباقي.

وتعد سيارة ميراي من تويوتا واحدة من السيارات الوحيدة التي تعمل بالهيدروجين والمتوفرة على نطاق واسع، إلى جانب سيارة نيكسو الرياضية متعددة الاستخدامات من شركة هيونداي الكورية الجنوبية.

فيما قال أوليفر زيبس، الرئيس التنفيذي لشركة بي أم دبليو الألمانية المتخصّصة في صناعة السيارات، العام الماضي، إن الهيدروجين هو القطعة المفقودة عندما يتعلق الأمر بالتنقل الخالي من الانبعاثات، مستطردًا: “إن تقنية واحدة في حد ذاتها لن تكون كافية لتمكين التنقل المحايد للمناخ في جميع أنحاء العالم”.

كذلك ربما تستثمر شركة BMW بكثافة في تكنولوجيا البطاريات، لكن الشركة تجري حاليًا اختبار سيارتها التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني BMW iX5، وإن كانت تستخدم خلايا وقود تويوتا.

ووفقًا لجان ميشيل بيليج، كبير مسؤولي التكنولوجيا لتطوير مركبات خلايا الوقود الهيدروجيني في شركة ستيلانتيس، التي بدأت الشهر الماضي إنتاج شاحنات الهيدروجين في فرنسا وبولندا، فإن الهيدروجين يوفر إعادة التزود بالوقود في أربع دقائق، وحمولات أعلى ومدى أطول، متوقعًا أنه بحلول نهاية هذا العقد، أن تكون حركة الهيدروجين متكافئة من منظور التكلفة، على الرغم من أن الشركة ستقوم بتصنيع كليهما.

ووفق الصحيفة، لا يشارك عديد من خبراء الطاقة حماس شركات صناعة السيارات الهيدروجينية، حيث يصف إيلون ماسك، رئيس شركة تسلا، هذه التكنولوجيا بأنها “بيع أحمق”، متسائلا: “لماذا تستخدم الكهرباء الخضراء لإنتاج الهيدروجين عندما يمكنك استخدام نفس الكهرباء لتشغيل السيارة؟”.

الهيدروجين والبطاريات

في هذا الصدد، قال أستاذ اقتصاديات البيئة بالقاهرة، علاء سرحان لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الهيدروجين والبطاريات هما نوعان ينتميان إلى السيارات التي ينتج عنها انبعاثات صفرية، بهدف التقليل من غازات الاحتباس الحراري، والاعتماد على الوقود الأحفوري المتسبب في زيادتها بالغلاف الجوي وبالتالي تؤدي إلى التغيرات المناخية.

وأوضح أن الهدف من هذان النوعان من السيارات هو التحول من السيارات التي تحتوي على محركات الاحتراق الداخلي في النقل والمواصلات، لكنهما يختلفان في مصدر الوقود وكفاءة استخدام الطاقة ومتطلبات البنية الأساسية، وأيضا بالنسبة إلى المدى والوقت المستغرق للشحن سواء التزويد بالهيدروجين أو شحن البطاريات الكهربائية، إضافة إلى التكلفة، فالخيار الآن بينهما يعتمد على عدة عوامل منها وجود البنية الأساسية والعادات الخاصة بالقيادة والتكلفة.

وعدد أستاذ اقتصاديات البيئة بالقاهرة، بعض الاختلافات بين سيارات الهيدروجين والبطاريات، كما يلي:

استخدام الوقود: بالنسبة لسيارات الهيدروجين فهي تحتوي على خلايا الهيدروجين كوقود، وتستعمل غاز الهيدروجين كمصدر للوقود، والذي يتم تخزينه في خزانات ضغط عال ويتم التفاعل بين الهيدروجين والأكسجين من الهواء داخل خلية وقود حتى يمكن أن ينتج عنها الكهرباء المستخدمة كقوة محركة للسيارة.

بالنسبة للكهرباء المستخدمة في شحن البطاريات فهي تأتي من مصادر متعددة تبعًا للطاقة المتجددة منها طاقة توليد الرياح أو الطاقة الشمسية، وأيضًا الطاقة النووية أو الوقود الأحفوري.

كفاءة استخدام الطاقة: سيارات الهيدروجين بالرغم من أنها تكنولوجيا خالية الوقود وعالية الكفاءة في تحويل الهيدروجين إلى كهرباء، إلا أن الكفاءة الكلية للسيارات التي تعمل بالهيدروجين أقل بالنسبة لتلك السيارات الكهربائية، بسبب فقد الطاقة خلال مراحل الإنتاج وتحويل الهيدروجين إلى كهرباء.

بالنسبة للسيارات الكهربائية فهي أكثر كفاءة في توفير الطاقة عن سيارات الهيدروجين، بسبب التطور في تكنولوجيا البطاريات والتحسن الكبير في الطاقة التخزينية لمصدر الكهرباء، وتحسن القدرة الاستيعابية لتخزين الطاقة.

البنية الأساسية: فيما يخص سيارات الهيدروجين فواحدة من أهم التحديات التي تواجهها هو عدم وجود بنية أساسية لمحطات التموين للهيدروجين، والتي تحتاج إلى استثمار كبير في الإنتاج والنقل والتوزيع والتخزين.

بالنسبة للسيارات الكهربائية فيمكن شحن البطاريات عن طريق استخدام وصلات كهربائية عادية في المنازل أو أي مناطق عامة، فلن تحتاج إلى بنية أساسية ويمكن شحنها في أي مكان، وإن كانت البنية الأساسية لشحن السيارات الكهربائية لازالت تحتاج إلى تعدد المحطات في الأماكن العامة وعلى الطرق، بما يمكن للشبكة الكهربائية للدولة تستوعب زيادة الطلب على الكهرباء بسبب زيادة المحطات والسيارات الكهربائية.

وقت الشحن: بالنسبة لوقت إعادة شحن سيارات الهيدروجين فلها مدى أطول للشحنة الواحدة عن السيارات الكهربائية، التي قد تستغرق دقائق معدودة مثل تموين السيارات بالوقود التقليدي.

كذلك بالنسبة للسيارات الكهرباء فمداها أقل عن السيارات الهيدروجين لكن في الفترة الأخيرة وبسبب التقدم بالتكنولوجيا الخاصة بالبطاريات يمكن تزويد مداها. وبالنسبة لوقت شحن البطاريات يتراوح بين عدة ساعات للشحنة المعيارية وممكن ثلاثين دقيقة في المحطات سريعة الشحن، وهو ما يتوقف على طاقة البطارية والبنية الأساسية للشحن الكهربائي للسيارات.

التكلفة: سيارات الهيدروجين تعتبر أكثر كلفة عن السيارات الكهربائية بسبب التعقيد الموجود في التكنولوجيا الخاصة بخلايا الوقود، وأن نظم تخزين الهيدروجين كلفتها أعلى، أما بالنسبة للسيارات الكهربائية فهي أصبحت أكثر توفيرًا وفي متناول الكثير الآن، لانخفاض تكلفتها بسبب انخفاض تكلفة البطاريات الكهربائية، متوقعًا أن تستمر بالانخفاض مع التوصل إلى تكنولوجيات متقدمة وبسبب زيادة حجم إنتاجها، ما يؤدي إلى خفض التكلفة.

توجه عالمي

من جهته، أوضح خبير اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن التوجه العام العالمي الآن يتجه نحو الاستغناء التدريجي عن الطاقة الأحفورية واستخدام بدائل نظيفة لحماية البيئة والمناخ، مشيرًا إلى أنه تم التشديد على هذا التوجه خلال مؤتمرات مكافحة المناخ السنوية، في كوب 27 الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ بمصر في نوفمبر من عام 2022، وكوب 28 الذي انعقد أيضًا في دبي بأواخر عام 2023.

ورأى أن أزمة الطاقة في أوروبا على وقع الحرب في أوكرانيا منحت دفعة كبيرة لهذا التوجه، لافتًا إلى أن الحصة السوقية للسيارات الكهربائية في أوروبا بلغت حوالي 12 إلى 15 بالمئة، أما السيارات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية فالنسبة ضئيلة جدا لا تذكر، مُرجعا السبب إلى أن التكنولوجيا لا تزال تحت البحث والاختبار ولم تحقق نجاحًا رغم تفاؤل شركة تويوتا اليابانية التي تعد من أوائل المشجعين لاستخدام الطاقة الهيدروجينية إلا أنها تعترف أن هذه الطاقة تواجه تحديات ضخمة ولم تحقق الاختراق المطلوب بسبب محدودية البنية التحتية لمصادر الشحن والتعبئة.

وأشار إلى أن هناك اعتقاداً لدى الخبراء يفيد بأن الناقلات الثقيلة كالحافلات والشاحنات تحتاج إلى البطاريات التي تخزن الكهرباء، موضحًا أن المشكلة الرئيسية مع الهيدروجين ونقاط الشحن والتعبئة هي توفيرها في الأماكن التي تحتاجها المركبات.

استهلاك الطاقة

وبالعودة لتقرير صحيفة “الغارديان” فقد نقل عن عميد كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة كامبريدج البريطانية، البروفيسور ديفيد سيبون، قوله إن الهيدروجين الأخضر يستهلك ثلاث أضعاف الطاقة الكهربائية التي تستخدمها البطاريات لتشغيل السيارات، حتى أن إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا عبر عن استغرابه لاستخدام الهيدروجين لتوليد طاقة متوفرة في البطاريات.

وذكر أن وكالة الطاقة الدولية تنبأت بأن الهيدروجين سيمثل 16بالمئة من وقود النقل بحلول 2050، متوقعًا أنه على المدى المتوسط ستربح البطارية المنافسة، ولكن على المدى البعيد مع التقدم التكنولوجي وتخفيض التكلفة قد يكون هناك مستقبل الهيدروجين النظيف أو الأخضر.

وقال إن هناك عنصراً مجهولاً وهو موقف الحكومات من دعم مشاريع الطاقة الهيدروجينية، موضحًا أن المواقف والولايات تتغير، ولكن في هذا الوقت بالتحديد لا يوجد حماس كبير للطاقة الهيدروجينية بسبب التكلفة الباهظة وهذا طبعا قد يتغير مع الزمن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار